المسلمات على الشاشات الأميركية.. صورة نمطية ورسائل سلبية | مرأة
الإسلام هو ثالث أكبر ديانة في الولايات المتحدة الأميركية بعد المسيحية واليهودية، وهناك نحو 3.45 ملايين مسلم في أميركا، وفقًا لدراسة أجريت عام 2017، ويشكلون حوالي 1.1% من إجمالي سكان الولايات المتحدة.
والمسلمون الأميركيون من أكثر الجماعات الدينية تنوعا عرقيا مع عدم وجود عرق واحد للأغلبية، إذ ينقسمون إلى 25% من السود، 24% من البيض، 18% من الآسيويين، 18% من العرب، 7% أعراق مختلطة، و5% من أصل إسباني، وذلك حسب ما ذكرت منصة “وورلد بوبيلويشن ريفيو” (world population review) في تقرير لها مؤخرا.
ووفقًا لمركز بيو للأبحاث، سيصبح الإسلام ثاني أكبر ديانة في أميركا بحلول عام 2040، مما يجعل من المهم أن يرى الأميركيون المسلمون أنفسهم يمثَلون بشكل صحيح في الأفلام والتلفزيون وعلى المسرح، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن؛ فهناك صورة نمطية سلبية عن المسلمين عموما في الشاشات الأميركية، وبالذات عن النساء المسلمات.
كيف تظهر النساء المسلمات على هذه الشاشات؟
لا تظهر كثير من النساء المسلمات في البرامج والمسلسلات التلفزيونية أو الأفلام الأميركية، وبالنسبة للعديد من الناس في الولايات المتحدة، فإن أول شخصية مسلمة تتبادر إلى الذهن هي -على الأرجح- الأميرة ياسمين من فيلم الرسوم المتحركة “علاء الدين” من إنتاج شركة ديزني، وهذه مشكلة صغيرة، مقارنة بالصورة النمطية التي تظهر فيها هؤلاء النساء المسلمات على هذه الشاشات.
وفي هذا السياق، تقول الكاتبة والممثلة الأميركية من أصول عربية سيرينا رسول -منشئة مؤسسة “مسلم كاستينغ” (Muslim Casting)- “أرى ياسمين على أنها النسخة الأميركية للمرأة المسلمة التي تحتاج إلى إنقاذ، والتي هي دائما الضحية أو الهاربة، ونحن نرى هذه الصور النمطية يتم استخدامها مرارا وتكرارا عندما يتعلق الأمر بالنساء المسلمات، ولا تزال مستمرة في وسائل الإعلام الأميركية حتى اليوم”.
وأضافت سيرينا رسول أن “هذه وجهة نظر ورسائل سلبية نقدمها للفتيات الصغيرات، ليس للفتيات المسلمات فحسب، ولكن للفتيات السمراوات بوجه عام”.
أرادت رسول أن تفعل شيئا حيال ذلك، لهذا عملت مع “صندوق بيلارز” (Pillars Fund) و”معهد جينا ديفيس المختص بالنوع الاجتماعي في وسائل الإعلام” (Geena Davis Institute on Gender in Media) لتطوير اختبار خاص تحت اسم “النساء المسلمات على الشاشة” (Muslim Women On-Screen Test)، الذي يقيِّم تمثيل النساء المسلمات في التلفزة والسينما الأميركية.
وفي هذا السياق، تحدثت سيرينا عن أهداف هذا الاختبار، وكيف تأمل أن يغير الطريقة التي يتم بها تمثيل النساء المسلمات في الولايات المتحدة، وذلك في مقابلة معها أجرته منصة “إن بي آر” (NBR) وهي مؤسسة إعلامية غير ربحية تهدف إلى تقديم صورة صادقة عن المجتمع الأميركي.
تقول سيرينا رسول “عندما طورنا هذا الاختبار، أردنا الغوص بشكل أعمق لمعرفة أسباب الصورة النمطية الشائعة عن المرأة المسلمة بوصفها ضحية أو شخصية مضطهدة، حيث تتعدد هذه الصورة بأنماط مختلفة، ولكنها جميعا تأتي في السياق نفسه. وكانت هناك دراسة سابقة أجرتها مؤسسة “أنينبيرغ” وجدت أن 76% من الشخصيات المسلمة التي تظهر في الأفلام الأميركية كانت من الرجال أما النساء فشبه مغيبات، وإذا ظهرن فهن إما زوجات مضطهدات أو حبيبات مهملات أو أمهات حزينات، وألقى بحثنا في معهد جينا ديفيس نظرة أعمق على تلك الصور ووجدنا أن تلك الأدوار التقليدية للمرأة المسلمة تظهر دائما في السياق النمطي نفسه”.
تأثيرات دائمة
وتوضح الكاتبة الأميركية “أعتقد أن النساء المسلمات، مثلهن مثل غيرهن من النساء، ممثلات تمثيلا ناقصا على الشاشات الأميركية، التي عادة ما تمثل أدوارهن هذه بوابة للجمهور الغربي للدخول للحضارة الإسلامية نفسها، وهذه البوابة يتم رسمها عن عمد بصورة مشوهة لا تمثل الحقيقة، وهي أيضا صورة استشراقية تميل إلى تسطيح شخصية وعمق وثراء النساء المسلمات بهدف تشويه الحضارة الإسلامية نفسها أو على الأقل نقل صورة مغلوطة عنها”.
وهذا لا يعني عدم وجود نساء مسلمات مضطهدات، فهؤلاء موجودات في كل المجتمعات الشرقية أو الغربية، ولكن عندما يشكل ذلك الغالبية العامة من التمثيل القليل أصلا للمرأة المسلمة في السينما والتلفزة الأميركية، فإن هذا يجرد المجموعة كلها من إنسانيتها.
ما الذي يسعى الاختبار إلى قياسه؟
تُجيب سيرينا رسول “ما أردنا فعله هو وضع معيار لنقول إن هذه بعض الصور النمطية التي تُستخدم بشكل مفرط وضار، مع تقديم صور وحقائق أخرى للمرأة المسلمة التي يجري تغييبها، وهكذا فإن الاختبار ومن خلال 5 أسئلة بسيطة، يسمح للمخرجين والمنتجين الذين يريدون إنتاج فيلم ما أن يعرفوا ويفهموا هذه الصور المسيئة للابتعاد عنها واختيار الصور الحقيقية للمرأة المسلمة بعيدا عن التحيز المسبق”.
على سبيل المثال، يقدم الاختبار نظرة موضوعية تُظهر التنوع الكبير الذي تملكه النساء المسلمات في الولايات المتحدة، وذلك بعيدا عن النمطية الغربية، كما يستكشف الاختبار الطرق المختلفة التي تخدم بها المرأة المسلمة المجتمع وتسهم في إغنائه، وكذلك يركز على تنوع النساء المسلمات الموجودات في المجتمع الأميركي، واللواتي يأتين من جنسيات ونوعيات عرقية مختلفة ومتعددة.
ويوضح الاختبار “كيف يمكن تصوير المرأة المسلمة وهي تعبر عن الفرح وسعادتها بالحياة عكس النظرة التراجيدية الحزينة الشائعة عنها بصفتها امرأة تعاني القمع والاضطهاد، الذي رسمته السينما الأميركية سابقا، ولهذا فإن أحد الأسئلة التي يطرحها الاختبار هو (هل ظهرت المرأة المسلمة يوما وهي تعبر عن الفرح؟) وهذا السؤال لقي صدى لدى مجموعة كبيرة من النساء المسلمات اللائي ركزن على هذا الاختبار، وأسهمن في إنشائه قبل صدوره، وذلك لأننا لم نمنح أنفسنا حقا مساحة لطرح هذا السؤال من قبل”.
وهناك مثال ممتاز آخر -كما تقول سيرينا رسول- وهو ما نسميه “المسلمة المتحركة”، وذلك بأن نصور المرأة المسلمة خارج إطار المنزل الذي التصق بها في الشاشات الأميركية، والسؤال هنا هل تظهر المرأة المسلمة في سياقات أخرى خارج المنزل.. هل تمارس الرياضة مثلا مثل رياضة الغوص أو ركوب الدراجة؟ إن إظهارها في مثل هذه السياقات الإنسانية مهم جدا لتقديم رؤية ثلاثية الأبعاد للمرأة المسلمة.
وعن طموحها المستقبلي تقول رسول “يقوم المجتمع المسلم بدوره في دعم ورفع وعي صانعي الأفلام والكتاب الجدد من خلال منظمات مثل صندوق المنح الإسلامية، ومجلس الشؤون العامة للمسلمين في هوليوود، ومؤخرا، صندوق بيلارز ومختبر إم فيلم. ولكن ما نود رؤيته حقا هو زيادة التمويل، وتوسيع الفرص للنساء المسلمات لسرد قصصهن الخاصة -قصص خارج السياق النمطي المعهود- نطمح أن نرى قصص الفرح والنجاح في العمل للمرأة المسلمة ومختلف جوانب الحياة، وهي قصص موجود وكثيرة ولكن تم تغييبها في السينما والتلفزة الأميركية”.
أمثلة إيجابية
قالت سيرينا رسول إن “هناك بعض الأمثلة الإيجابية لتمثيل المسلمين على الشاشة اليوم، مثلا مسلسل ’وي آر ليدي بارتس‘ (We Are Lady Parts) هو مثال رائع، ويظهر تنوع وغنى النساء المسلمات كما هو موجود اليوم إثنيا وعرقيا وعقائديا، وهو مسلسل لا يركز على كونهن مسلمات فقط، بل على طرق حياتهن وعملهن وطموحاتهن، مثلا يحاول البعض منهن إنشاء فرقة لموسيقى الروك وهكذا”.
وهناك مسلسلات وبرامج أخرى أيضا مثل المسلسل الكوميدي “نيفر هاف آي إيفر” (Never Have I Ever) وغيره من المسلسلات التي تظهر شخصيات مسلمة ذات قصص متباينة.
وأوضحت رسول “هذا هو نوع التمثيل الذي نأمل أن نراه.. نحن نعيش في ظروف عادية يومية لا تتمحور بالضرورة حول هويتنا الدينية”.
ترى هل ستتغير الصورة النمطية عن المرأة المسلمة “المضطهدة” في الشاشات الأميركية في المستقبل؟